الجنوب ينحر من الوريد إلى الوريد بيد جنوبية وسواطير إقليمية يمنية
يمنات
صلاح السقلدي
الحرب الدائرة في اليمن منذ 19 شهراً تُلقي بظلالها الكئيبة على كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية والخدمية والحقوقية وغيرها. كان للجانب الأمني النصيب الأكبر من الضرر، بسبب تغييب وتدمير مؤسساته الأمنية والعسكرية الرسمية، وبروز، عوضاً عن ذلك، تيارات دينية متطرفة ومليشيات وكتائب غريبة التوجه والولاء، ملأت هذا الفراغ واستباحت كل شيء لمصلحتها ولمصلحة الجهات التي تقف خلفها، مستفيدة من الدعم المالي والعسكري والإعلامي والسياسي الذي تغدقه عليها الأطراف المتصارعة لاستمالتها ضد بعضها البعض، وتوظيف سطوة هذه الكيانات وتوحشها الفكري توظيفاً عسكرياً وسياسياً، يفتقر لأدنى أخلاقيات الحروب وقواعدها.
و عطفاً على الحدث المأساوي الأبرز الذي شهدته مدينة عدن عصر السبت الماضي، والمتمثل بالعملية الارهابية التي ذهب ضحيتها العشرات من القتلى والجرحى من طالبي التجنيد، فإننا سنظل نكرر ونعيد: الوضع الأمني المنفلت في عدن – وغير عدن – سيظل يراوح مكانه من البؤس والعبث والفوضوية، إن لم نقل إنه سيزداد انفلاتاً وتغولاً، طالما بقي الوضع السياسي – في الجنوب على الأقل- يراوح مكانه من الضبابية والمخادعة، وبقي ساحة تصفية حسابات سياسية وطائفية قبيحة بين القوى الإقليمية واليمنية بأدواتها التدميرية المحلية (جماعات متطرفة، شخصيات سياسية وحزبية مسترزقة، تجار ورؤوس أموال فاسدة، كتائب ومليشيات مستأجرة من الداخل والخارج… وغيرها من الأدوات والوسائل المتوحشة الأخرى).
فلا أمن لعدن والمكلا وغيرهما بدون استعادة المؤسسات الأمنية الرسمية والمدنية. لن يرى الجنوب – الوطن عموماً – أمناً وسكينة بدون عودة الجهاز الأمني الرسمي في عواصم المحافظات، وبدون عودة مراكز الشُرَط في كل حي ومديرية إلى سابق عهدها، ورفدها بدماء جديدة نظيفة من ملوثات القبيلة والولاءات الحزبية المخادعة، ونقية من مكبات الفكر التكفيري التدميري الطائفي المكشر عن أنيابه.
لن ترى عدن حالة استتباب لأمنها واستقرارها ما بقيت الجماعات وكتائب فلان وجماعة علّان المليشياوية هي المتسيدة والمسيرة للأمور، وتدار من قبل جهات خارجية
و بتمويل مالي ومادي يأتي خارج إطار المؤسسات الرسمية. قد يقول قائل إن البلد لا توجد فيها الآن مؤسسات رسمية. وهذا قولٌ فاسد، ولا يمكن فهمه إلا من منطق تبرير سيادة الفوضى وسيادة المليشيات غير المعروفة الولاء والتوجه، فالمؤسسات الرسمية موجودة، وإن كان ذلك بالحد الأدنى من التواجد والفعالية، ولكنها على كل حال موجودة لمن يريد أن يعمل عملاً وطنياً واضح الهدف والمقصد بإطار دولة مؤسسات مدنية رسمية.
ولا يمكن لعدن -ولا لغير عدن- أن تستقر وتتلمس مستقبلها في ظل هكذا تعاط يمني (من قبل سلطة شرعية عبد ربه منصور هادي وجماعته من حزب الاصلاح)، وإقليمي تآمري يتم فيه تقسيم الجنوب فرقاً وشيعاً ومناطق وطوائف ومذاهب. فهل يعقل أن يقبل الناس في عدن والمكلا وغيرهما من حضر ومدر الجنوب تأسيس تشكيلات أمنية وعسكرية وفقاً لكل منطقة ومديرية وقبيلة كل على حدة؟ وهل يعقل أن يتم استيعاب عناصر تجاهر بنزوعها وميلها التكفيري الصريح بتشكيلات تزعم أنها تحمي هذه المدن والمحافظات..؟
الإرهاب والفوضى وتغييب مؤسسات الدولة، إدخال الناس في دوامة البحث عن ضروريات الحياة وأساسياتها الخدمية، كل هذا الكوكتيل الملوث لا يتم بشكل عفوي وتلقائي، بل بطريقة ممنهجة ومخطط لها، ويتم التحكم بمراحلها وخطواتها بريموت كونترول بإتقان شديد من قبل دول إقليمية وقوى يمنية وبأدوات جنوبية.
الإرهاب اليوم في الجنوب يقدم خدماته مدفوع الأجرة، وربما مجاناً، لهذه القوى الاقليمية واليمنية. فهذه القوى تعرف جيداً رموز الارهاب وأين يتموضع ومتى وكيف يتنقل، إن كانت تريد محاربته كما تزعم، كما تعرف جيداً من يموله بكل هذا الامكانيات المالية والمادية والإعلامية والسياسية. تعرف هذه الحقائق وغيرها جيداً، إن هي أرادت أن تكبح جماحه وتكشف خفاياه. فأين ذهبت نتائج التحقيقات بمقتل عدد من رموز وكوادر الجنوب مدنية وعسكرية ودينية؟ وقيل إن هذه التحقيقات ستعلن خلال أيام من القبض على الجناة في عدد من الجرائم، منها على سبيل المثال حادثة مقتل محافظ عدن السابق، ومقتل الشيخ العدني ورجال الدين الصوفية، التي تم القبض على جناتها قبل أكثر من عام، وقيل إنه تم ترحيلهم إلى دولة خليجية لغرض التحقيقات..؟ لماذا يتم إخفاء هذه التحقيقات..؟ أليس في الأمر “إنّ”..؟ أليس من حقنا أن نرتاب من هذه التصرفات المريبة ومن أصحابها ومن المشاريع التي يضمرونها تجاه الجنوب..؟ أليس من حقنا أن نتوجس خيفة من حالة الإصرار التي تبديها هذه القوى على استحداث قوة أمنية وعسكرية لحضرموت بمسميات قبيلة وجهوية خارج سياق المؤسسة العسكرية والأمنية الرسيمة؟ أليس من حقنا أن نقلق ونرتاب من خطط هذه القوى وهي تمنع رفع علم الجنوب في حاضرة حضرموت وتحرّم إقامة فعالية سلمية صغيرة لسبب جنوبية هذه الفعالية..؟ أليس منطقياً أن تتملكنا الشوك وتدركنا كل أنواع الريبة من تعمّد هذه القوى الاقليمية واليمنية وهي تحاول جاهدة تأسيس وحدات عسكرية بصبغة جغرافية ضيقة لكل محافظة على حدة لتفتح الباب مستقبلاً أمام الصراعات، لكي يتسنى لها أن تضرب أي جهد جنوبي يسعى للملمة شتاته واستعادة حقوقه السياسية ويستقل بقراره..؟
باختصار: إنهم ينحرون الجنوب ويذبحونه من الوريد إلى الوريد، بيد جنوبية، وسواطير إقليمية يمنية.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا